Saturday, June 24, 2006

قليل من الشعر

فَإِمّا أَن تَكونَ أَخي بِحَقٍّ فَأَعرِفَ مِنكَ غَثّي مِن سَميني
وَإِلّا فَاِطَّرِحني وَاِتَّخِذني عَـــدُوّاً أَتَّقيــــــكَ وَتَتَّقينـــــي


المثقَّب العبدي

عودة إلى التدوين

عودة إلى التدوين بعد فترة انقطاع قاربت الستة أشهر. لقد انشغلت برسالتي في الماجيستير طوال هذه الفترة ورغم أن ما مر بها من أحداث كان يستوجب المشاركة إلا أنني لم أشعر بحاجة ملحة للكتابة خصوصا وأن هدف هذه المدونة لا يندرج تحت متابعة الأحداث الجارية. لذا فضلت أن انتهي مما ورائي وأن أعود على مهل لاستكمال التدوين والكتابة. والحق أنني كنت قد وعدت القارئ باستكمال الحديث عن كتاب جان باول اليسوعي "لماذا أخشى أن أقول لك من أنا" في الغد إلا أن غدي لم يأت إلا اليوم. والآن هل لازال لدي الرغبة في استكمال ما بدأته من حديث عن التواصل والكتابة عن كتاب جان باول. الحق هو أن هذه الرغبة لازالت قائمة ولكنني اليوم سأقوم بعمل عرض لما اختبرته أنا شخصيا في هذه الفترة من نجاحات في التواصل ومن تفعيل وتجربة ما قرأته في هذا الإطار طوال الفترة الماضية.

لقد كان لدي يقين منذ فترة طويلة بأن نجاح الإنسان في هذا العالم ينبع من نجاحه في إقامة علاقات صحية مع أكبر قدر من الناس على تنوع اختلافاتهم الثقافية والاجتماعية والدينية والوطنية. كان لدي يقين حقيقي بأن كل شخص أتعرف عليه يزيدني معرفة بأمر ما أجهله ويتيح لي الإطلاع على تجربة فريدة حتى ولو تشابهت تفصيلها مع تجارب أخرى. ولذلك تجدني حريصا على معرفة واستطلاع أراء الناس من كافة المشارب في حدث ما أو حادثة هامة دارت في الفترة الماضية ويتساوي في هذا عندي رأي أستاذ الجامعة مع رأي ماسح الأحذية على أي مقهى من مقاهي وسط البلد الذي أدمن الجلوس عليها. لا فارق عندي بين هذا الرأي وذاك. ولا أحترم رأي أي منهما أكثر من الآخر ولكن كل ما أستطيع أن أقوم به هو معرفة الدوافع والخلفيات التي حدت بكلاهما لإصدار مثل هذا الرأي.
وفي هذا العام تعرفت على شخصيات عديدة ومتنوعة إضافة إلى ما لدي من كنز ثمين من أصدقاء. وما أود أن أشاركك به عزيزي القارئ اليوم هو أنني أفرق كثيرا بين الأصدقاء والمعارف ومن ألتقيهم لفترات طويلة. أنا لدي عدد قليل من الأصدقاء وهو ليس بالقليل مقارنة بمتعارف عليه في الصداقة. فربما يكون لديك صديق أو اثنين تستطيع أن تقول لهما ما لا تستطيع أن تقوله لأخيك أو لي من أفراد أسرتك. ولكن أنا لدي ما يزيد عن خمسة أصدقاء. وتعريفي للصديق هو : ذلك الشخص الذي يمكن ان تتعري أمامه معنويا دون أن تشعر بالخجل ودون أن تتلقى أي لوم أو توبيخ على فعل شائن قمت به. الصديق هو الذي يحتويك بكل ما فيك من عيوب ومحاسن. هو الذي يضمك حين تحتاج إلى صدر متفاهم حين تفتقد هذا الصدر. الصديق هو الذي تتعرف على نفسك من خلاله بأن تبوح له بأدق التفاصيل الشعورية التي تمور بداخلك فيتلاقاها بهدوء وإصغاء شديدين ويعطيك انطباعه، لا حكمه، عن هذه التفصيل. هو الذي يضع يديك على جوانب ذاتك الخفية دون نقد أو تقريع. هذا هو تعريفي للصديق. أما الأصحاب فهم أولئك الذين يعرفون الكثير عن تفاصيل حياتك اليومية مثل ارتباطك عاطفيا بهذا الإنسان أو هذه الإنسانة. مثل مكان عملك وطبيعته ورؤساءك. باختصار هم الذين يعرفون كل ما هو فوق السطح بكل ما في هذا السطح من تفاصيل حتى ليُخيل إليهم بأنك صديق حميم لهم لأنهم يعلمون عنك كل شئ، ولكنهم في الواقع لا يعلمون أي شئ. إنهم لا يعلمون أي شئ لأنهم لا يشاركونك عواطفك ومشاعرك حتى ولو عرفوا بعض التفاصيل عن علاقاتك العاطفية ولكنها تبقى تفاصيل السطح كما أسميها أو التفاصيل الخارجية. أما المعارف فهم أولئك الذين تلتقيهم على المقهى أو في إطار عملك ولا بأس ايضا من أن تعرفهم بنفسك وتعطيهم بعض التفاصيل التي يعرفها أصحابك ولكنها تبقى تفاصيل سريعة.

في الفترة الماضية اكتشفت أصدقاء جدد تشابهت ظروفنا كثيرا وتشابهت ظروف نشأتنا إلى حد مدهش حتى إننا عندما كنا نحكي عن طفولتنا فإنما كنا نحكي قصة واحدة برواة مختلفين. واكتشفت اهتماما رائعا من بعض الأصدقاء الذين يتقربون إلي حبا في صداقة وعلاقة وطيدة ولقد كان في هذا الأمر كثير من التشجيع لي على الاستمرار في دراستي. والحق هو أنني بعد انتهائي من الماجيستير وإرسالي للإهداء والشكر وبعض صور التخرج لمجموعة من الأصدقاء والأصحاب والمعارف جاءتني ردود أحسب أنها كانت دليلا هاما لي بأنني لم أنجح فقط في الحصول على الماجيستير ولكنني نجحت أيضا في تكوين علاقات صحية وحميمة ورائعة مع الكثير من الناس وكان هذا دافعا جديدا لي على الاستمرار والتواصل وكان هذا دافعا ايضا لي على معاودة الكتابة. فلتنتظرني وليكن لنا لقاء جديد.

Sunday, December 04, 2005

لماذ أخشى أن أقول لك من أنا؟



المشكلة الأولى التي ستواجهك عند قراءة هذا الكتاب هو أنك ستظن للوهلة الأولى أن كاتب هذا الكتاب يعرفك شخصيا، وهو يخاطبك أنت تحديدا. وهو الأمر الذي سيؤرقك كثيرا في بداية تعاملك مع كتابات هذا الرجل. فكتب جان باول عموما تخاطب القارئ مباشرة ودون أي حجاب. فهي في الأصل نوع من الحوار يجريه الكاتب مع قرائه لتطويرهم على المستوى النفسي.

المشكلة الثانية هي في مدى الفهم أو الاستفادة التي يمكن أن تنالها من كتبه عموما. فقط أولئك الجرحى ومتعبي الحياة هم الذين سينالون أكبر قسط من الإفادة من تلك النوعية من الكتب. أما أولئك الذين لا يشعرون بجراح أو لا يعانون في حياتهم من أزمات عاطفية أو زوجية أو ازمات تواصل مع الناس عموما ويحيون حياة تملؤها اللامبالاة فلن يشعروا بأي قيمة في تلك النوعية من الكتب على الإطلاق، بل وقد يسخرون منها.

المشكلة الثالثة، وهي ليست الأخيرة، هي أنك تشعر بأن هذا الكاتب قد فضحك بأن كشف لك ما تفكر فيه أحيانا بينك وبين نفسك أو حتى تتهرب من أن تفكر فيه، وقد وضعه أمامك قائلا: كما ترى ليس هناك شئ بخفي في دنيا النفس الإنسانية الآن.

وأخيرا ينبغي أن أشير هنا إلى أن هذا الكتاب ليس كتابا دينيا ولا يتعرض أو يناقش أي عقائد دينية سواء كانت مسيحية أو إسلامية .. ورغم أن كاتبه أب كاثوليكي إلا أنه لا يناقش أي من الأمور الدينية في هذا الكتاب. هذا بالإضافة إلى أنني سأعرض هنا كتبا لكتاب وشيوخ مسلمين، بالإضافة إلى الكثير من الكتب النفسية والعملية التي يكتبها المتخصصون وغير المتخصصين من غير العرب.

والآن،

أظن أنك الآن في انتظار أن أعرض لك هذا الكتاب، ولكن هذا الأمر ليس هينا؛ فعرض مثل هذه النوعية من الكتب صعبا إن لم يكن مستحيلا. لذا، أرجو أن تلتمس لي العذر فيما سأعرضه لك من هذا الكتاب.

وإلى الغد.

Tuesday, September 06, 2005

أنا وأنت والحياة


كل المشكلات التي تقابلنا في الحياة تنبع أساسا من ثلاث مشكلات رئيسية. مشكلة تعاملنا وفهمنا لأنفسنا، ومشكلة تعاملنا مع الآخر أيا كان هذا الآخر، وأخيرا مشكلة تعاملنا مع العالم من حولنا وفهمنا للمشكلات ولطبيعة الحياة التي نعيش فيها. والحقيقة أنني لم أكن أدري أن كل المشكلات التي أعاني منها في حياتي يمكن حلها في إطار المشكلات الثلاث الرئيسية.

لو تأملت في هذا الطرح قليلا ستكتشف أمورا غريبة إلى حد بعيد .. فبالتأمل في المشكلة الأولى وهي كيفية التعامل مع النفس يمكنك أن تسال نفسك وتجاوب بصراحة شديدة هل تعاملت مع نفسك من قبل .. هل أجريت حوارا مع نفسك .. والحوار مع النفس غير "اللي بيكلم نفسه" الحوار مع النفس فيه مصارحة ومكاشفة عالية جدا .. قد يصل الأمر في بعض الأحيان أن تسأل نفسك أشياء وتخشي أن تجيب عنها .. يعني هل سألت نفسك من قبل لماذا أكذب؟ هل ربت على كتفي نفسك من قبل؟.. لا تستغرب هذا التعبير .. فهو حقيقي .. هل قلت لنفسك "معلهش" لا تغضبي أنت أفضل، وأكثر نظافة مما يتخيل الناس عنك .. هل قلت لنفسك أنها محترمة .. هل استطعت أن تعترف لنفسك من قبل بأنك عربيد وبأنك لست هذا الشخص المحترم الذي ينظر إليه الناس بكل تقدير وإجلال .. هل استطعت أن تجري حوارا بينك وبين نفسك مطولا لتكتشف فيه جذور شعور معين أو سلوك معين تسلكه منذ أن كنت صغيرا ولكنك بعد فترة نضج ما، بدأت تتساءل لماذا أفعل هكذا وأسلك بهذه الطريقة مع الناس .. إن كل حوار تجريه مع نفسك تكتشف فيه بعدا قد يكون خافيا عليك ولم تكتشفه من قبل .. والأمر ينطبق تماما على كل حوار تجريه مع الآخر فيه من المكاشفة والمصارحة ما يعزز ثقتك ووعيك بنفسك .. هل سألت نفسك لماذا لا تستطيع أن تتحدث عن نفسك بصراحة أمام الآخرين. هل استطعت يوما أن تجلس بجوار صديق وتحكي له بكل شفافية وصدق عن حادث ألم بك .. أو شعور أو نازع يعترضك .. هل اكتشفت بعدها شيئا بداخلك لم تكن تلمسه من قبل؟ هل أدركت يوما بأن في داخلك قديس صالح، وفي نفس الوقت عربيد أصيل .. الم تدرك من قبل بأنك معظم الوقت ترتدي "قناع" ما تتعامل به مع الناس، وسرعان ما ينكشف هذا القناع مع أول تواصل حقيقي بينك وبين الآخر.

أما المشكلة الثانية، فهي مشكلة تعاملنا مع الآخر. والحق أن كلمة الآخر أعني بها كل من هو غيرك. هل تشعر بأن لديك ما تقدمه للآخر وأن الآخرين لديهم ما يقدمونه لك؟ هل تشعر بأن الناس، كل الناس متساوون؟ هل تتعامل مع الزنجي والأمريكي والعربي سواء بسواء .. أم تشعر بأن هناك اختلاف بينهم على مستوى الدرجة؟ .. هل شعرت يوما بأننا كمصريين بصفة عامة شعب عنصري؟ .. ألم تسمع صديقا أو قريبا لك يصف إنسانا أسود اللون بأنه عبد؟ .. ألا تشعر بأن هناك اختلاف بينك وبين صديقك المسلم أو المسيحي .. هل تشعر بأنه هناك عنصرية في تعاملك مع الأديان الأخرى وتشعر بتميزك عليهم أيا كان دينك .. كل هذه الأسئلة وغيرها تحتاج إلى إجابات ووقفات مع الذات أساسا لكي نتفهمها ونعالجها .. الحق أننا لا نصغي جيدا لأنفسنا كما أننا لا نصغي جيدا للآخرين .. كل ما لدينا من هم هو أن نثبت أنسنا في مقابل محو أو تجاهل الآخر. كل ما يعنينا أن نتكلم نحن ويسمعنا الآخرين. كل ما يعنينا أن يقبلنا الآخرين .. ولا يدر في بالنا أن نقبل نحن الآخرين كما هم. نريد أن يرضى عنا الناس دون أي تغير من جانبنا .. ولا نرضى نحن بأقل هفوة أو خطأ من جانب الآخرين .. أسهل شئ في الدنيا هو أن نلقي بالمسئولية على الآخر .. هل تحملت يوما مسئولية خطأ ما ارتكبته واعترفت به بكل شجاعة. هل قلتها صراحة وقلت : أنا غلطان.

أما المشكلة الثالثة فهي مشكلة التعامل مع الحياة .. مع الوقت الحاضر .. وهل هناك وقت حاضر أساسا .. ومع الماضي الذي لا نستطيع أن نتخلص منه وهو يشكل جزءا أساسيا من تكويننا .. شئنا ذلك أم أبينا. ومع المستقبل القابع بظله في ذهننا وتطاردنا أحلامه في اليقظة قبل النوم. ماذا نفعل مع المشكلات العاطفية التي تلم بنا .. مع فقد عزيز أو موت قريب؟ والكثير الكثير من المشكلات التي تطاردنا في الحياة. تلك هي خطة هذه المدونة في العمل ويسعدني أن أتلقى تعليقاتكم ونشرها كجزء من هذه المدونة وليس كتعليق .. يمكنكم مواصلتي ومراسلتي على الإيميل الموجود بالمدونة .. ولكم خالص المودة والحب.

Saturday, September 03, 2005

مختارات من رواية مزاج


وإذا استغربت أنا نفسي من رؤيته يضيع ربع ساعة مع شخص مزعج قابله في الشارع، أجابني:
- إنه مزاجي..
كل شئ قد قيل في ذلك التعبير المصري، الذي كثيرا ما سمعناه في طفولتنا، والذي كان يعني كل شئ في الآن ذاته: إنه طبعي، إنه ميلي، إنه سروري، إنه ذوقي. ذوقي أنا. كلمة "مزاج" تعني شيئا شديد الخصوصية، ليس بحاجة لتفسير ولا لإذن من أحد. إنه نزوة، تفضيل، حرية ممارسة.
في المزاج فكرة الانطلاقة والبهجة، الغبطة التي يمكن أن تنطبق على أكثر المتع تفاهة: كرشف شراب اللوز على مهل بعد القيلولة، أو النزهة على كورنيش الإسكندرية وقت المغيب، أو ببساطة، الجلوس على الشرفة حوالي الحادية عشرة ليلا في شهر حزيران، حين تجعل النسيمات العليلة في هليوبوليس قلبك يغور سعادة


إذا كان البعض يعجبون بأنفسهم وهم يتكلمون، فإنه هو يكرس نفسه لمن يستمع إليه، يضع روحه وكل كيانه في كلماته، ويظل صوته مع ذلك خفيضا رفيقا.

كان يتسكع كالمتنزهين، متوقفا لأوهى سبب كي يتفرج على واجهة متجر، أو ليدردش مع شخص مجهول في ذلك المطعم الصغير، وفي حين كنا نفرغ أطباقنا بسرعة، كان هو يتلذذ بكل لقمة من طعامه وبكل جرعة من شرابه. كان يوحي بأن أمامه الدهر كله.

لقد كان ب.ب. يفعل ما يرغب به ويروق له. رأيته أكثر مكن مرة يسعى على يديه ورجليه لمساعدة امرأة جميله، أو على العكس يصرف شخصا لجوجا لم يعجبه شكله. لم يكن يصلي في جب الأسود أو يمسح جروح المجزومين. لم يكن شهيدا، ولا متصوفا، ولا راهبا يعيش على الصدقات: لا، أبدا، كانت التضحية غريبة عن طباعه، بقدر ما كان تعذيب النفس.

الخدمة مثل الهدية، لا يترك المرء سعرها عليها.

جرحى الطرق ينبغي أن نتحدث إليهم، أما جرحى الحياة فيجب أن نتركهم يتحدثون.

لاحظت بأنه، حين يتلقى شكرا من أحد، لم يكن أبدا يجيب بقوله: "أرجوك" أو "العفو" أو "لا شئ يستحق الشكر"، بل يقول: "إنه من دواعي سروري". وفي اليوم الذي فهمت فيه بأن الأمر ليس صيغة مجاملة، بدا لي كل شئ أكثر وضوحا.


- ليس هناك شئ مجاني، أيها الاقتصادي ..
- أنت مع ذلك، يا باصيل، حين تقدم خدمة ...
- نعم، وماذا بعد؟ الأمر دائما بدافع المصلحة.
- المصلحة؟ صحت غير مصدق
- المتعة، إذا كنت تفضل.


العرفان، كان يقول، يعدل المكافآت كلها.

Tuesday, August 30, 2005

لماذا مزاج؟

ربما يكون هذا هو السؤال الذي طرأ على ذهن كل من قرأ هذه المدونة .. أو مر عليها. طبعا العلاقة واضحة فالمدونة ستناقش كل ما هو متعلق بالنفس من حزن ويأس ، ومن فرح وبشري .. وهي ستعكس أحوال الإنسان في أوضاع عدة وبالتالي ستهتم بـ"المزاج" الإنساني في أشكاله المختلفة.

والحق أن تسمية المدونة بهذا الاسم لم يكن الغرض منه كل هذه المعاني. لقد سميت هذا المدونة "مزاج" نظرا لحبي الشديد لرواية بهذا الاسم كتبها الكاتب الفرنسي الشهير والصحفي بجريدة اللوموند الفرنسية "روبير سوليه". لقد قرأت هذه الرواية منذ ثلاثة أعوام للمرة الأولى ومنذ هذه اللحظة وشخصية باصيل بطركاني بطل الرواية تطغى على الكثير من تصرفاتي .. إنها شخصية جديرة بأن تحتذي. استعرت هذه الرواية من إحدى صديقاتي الأعزاء جدا .. ورغم أنها بنت محافظة ولا يجوز أن أتصل بها تليفونيا في الواحدة ليلا مثلا، إلا أنني عندما انتهيت من هذه الرواية، وكانت الساعة قد تجاوزت الواحدة وكنت أعرف أنها لازالت مستيقظ، لم أتمالك نفسي .. وأمسكت بالتليفون، فقط لكي أقول لها- والضحكة تملأ وجهي والارتياح يغمر نفسي- "منى: شكرا جزيلا". لا أكثر ولا أقل.

هذه الرواية تحكي عن شاب ولد في مصر من أصول فرنسية يسافر إلى فرنسا بعد العدوان الثلاثي تقريبا لكي يبحث هناك عن فرصة عمل. كل من أخبرهم بنيته للسفر أوصوه أن يتصل بمصري مقيم في فرنسا منذ فترة طويلة ويدعى باصيل بطركاني ... وعندما يحل الصبي بباريس يفاجأ بأن هذا الباصيل يقطن في حي شديد الفقر ولا يوجد على مظهره أي دلالة على أنه رجل ذو حيثية أو حتى ذي مكانة في المجتمع. يزوره في مكتبه فيلحظ أن حذاءه مقطوع من أسفل .. ولا يملك في مكتبه أي شئ سوى مجموعة من دفاتر التليفونات. يطلب منه الشاب مكانا رخيصا للإقامة وعمل إن أمكن .. ويعده باصيل بأن يدبر له هذه الأمور في أقرب فرصة. يذهب الصبي وكله ثقة بأن هناك لغز ما حول باصيل ويدور تعجبه حول هؤلاء الذين أوصوه بالاتصال به والكلام الأسطوري الذي سمعه عنه .. ويستقر في نفسه بأن باصيل هذا حتما لن يكون مفيدا على الإطلاق.

تمر الأيام يتصل باصيل بالشاب لكي يقول له بأن لديه عمل مؤقت وعليه أن يمر على مكتبه ليعرف التفاصيل. يفاجأ الشاب بأن العمل ما هو إلا الإقامة في شقة ما، يزعم باصيل بأنها لأحد الأساتذة في الجامعة .. وسيتحتم على الشاب الإقامة بها إثناء تغيب هذا الأستاذ في مؤتمر علمي خارج البلاد .. وهنا تساور الشاب الشكوك في هذا الأمر .. ولكن المهمة تمر بسلام .. وتكون بداية التعارف الحقيقي بين الشاب وبين باصيل .. بعد فترة يرسل باصيل إلى الشاب بطاقتين لأحدى المباريات النهائية في بطولة رولان جاروس ..لأنه لا ينوى الذهاب .. فيفاجأ الشاب بأن البطاقتين في مكان مميز تماما. وتمر الأيام ويقترب الشاب من باصيل. ويدعوه باصيل على العشاء في إحدى المطاعم الراقيه في باريس وكعادته، يفاجأ الشاب بأن المطعم بكامله من مديره إلى أصغر العاملين به يعاملون باصيل معاملة خاصة جدا .. معاملة كلها حب واهتمام .. وهو أيضا يعاملهم كأب .. وهنا تبدأ التساؤلات التي لا تنتهي لماذا كل هذا الاهتمام .. ولماذا يحظى باصيل بطركاني بكل هذا الاهتمام ..

وهنا لن أستطيع أن أواصل حتى أترك لك متعة القراءة ومتعة الاستمتاع بهذه الرواية الفريدة _من وجهة نظري_ التي قد تغنيك عن قراءة عشرات الكتب في علم النفس أو عشرات الكتب التي تتكلم عن كيفية التعامل مع الناس والسلوك مع الآخرين.

سأكون سعيدا لو واصل أحدكم قراءة الرواية وكتب لي عن انطباعاته عنها خصوصا والرواية تحتل مساحة عزيزة في نفسي.

اسم الرواية: "مزاج"
المؤلف: روبير سوليه
الناشر: دار ورد – سوريا
مكان الشراء: مكتبة روزاليوسف في شارع القصر العيني
أو، مكتبة مدبولي – ولكنه قد يبيعها أغلى من روزاليوسف

Saturday, July 30, 2005

أنا وأنت


الغرض الرئيس من هذه المدونة هو البوح والحكي معك .. لا توجد علاقة بيننا إلا هذه السطور .. ولكنها قد تكون كافيه لتجاوز أزمتك وأزمتي وأزمة الكثيرين غيرنا الذين قد يعبرون هذا الموقع سريعا فتستوقفهم حكمة جميلة أو حكاية مؤثرة تساعدهم في حياتهم الخاصة على تجاوز محنة أو مشكلة أو هم طارئ أو مقيم.

كان من الأحلام التي تراودني منذ فترة أن أنشئ موقعا كهذا .. يتواصل فيه الناس بحرية .. يحكون فيه عن تجاربهم الشخصية واعترافاتهم الخاصة .. لقد أدركت منذ فترة أن إخراج ما في نفوسنا من هموم ومشاكل ووضعها على الورق ثم حكيها لصديق حميم .. عنصر فعال في التخلص من هذه الهموم والآلام ..

لقد كان كتاب "لماذا أخشى أن أقول لك من أنا" للأب جان باول اليسوعي .. واحدا من الكتب الهامة التي غيرت مجرى حياتي وتفكيري وشخصيتي تماما .. حتى إنني حرصت بعد ذلك على شراء جميع كتب هذا الرجل وغيرها التي تتحدث عن نفس الموضوعات .. لم أمضي وقتا قليلا في قراءتها .. فلقد ذاكرتها جيدا وحفظتها عن ظهر قلب .. بل وطبقت الكثير من الإرشادات والتوجيهات التي جاءت في هذه الكتب وكانت النتيجة أن شخصيتي تغيرت كثيرا .. ورغم أن كاتب هذه الكتب أب مسيحي من طائفة اليسوعيين إلا أنه لم يتطرق إلى العقيدة المسيحية أو الأمور الروحية في المسيحية .. وهي كتب نفسية بحتة .. وأنا كمسلم كنت سعيدا بقراءتها واعتبرها كتبا إنسانية راقية يحتاجها الإنسان أيا كانت ديانته .. وسأكون شاكرا لأي قارئ يدلني على كتب مثل هذه الكتب في الفكر الإسلامي غير كتابي "جدد حياتك" لشيخنا الأجل "محمد الغزالي" وكتاب "لا تحزن" للشيخ عائض القرني .. سأكون سعيد جدا لو قام أحدكم بإرشادي على المزيد من هذه الكتب الإسلامية .. وستكون سعادتي بالغة لو قام بعرض فحوى الكتاب الذي سيرسل اسمه لي ..

إن مشاركة هذه النوعية من الكتب سواء كان كتابها مسلمين أو غير مسلمين هو أمر هام في حيانا النفسية والفكرية أيضا .. لذا أرجو منك ألا تترد في مشاركتي بل إنني استعطفك واستحلفك بألا تبخل علي بهذه المشاركة .. وليس الهدف من مشاركتك لي أن تتمدد هذه المدونة وتنتشر .. ولكن لأن مشاركتك قد تكون سببا في مساعدة متألم أو مجروح .. قد تكون سببا في تغيير مجرى حياة إنسان .. ولا تستهين بالكلمة أو بالكتاب فكم في التاريخ من عظماء تغيرت حياتهم بسبب كلمة أو حكمة .. ويا ليتك ترسل لي أيضا مثل هذه الكلمات إن كان لديك منها.

سأقوم في هذه المدونة بعمل عروض للكتب الهامة في علم النفس السلوكي .. وسأركز على الأمور التي نواجهها في حياتنا يوميا .. ولن أتطرق إلى الموضوعات الجافة أو الأكاديمية .. حيث إن المستفيدين منها شريحة جد صغيرة .. وسأجعل من هذه المدونة بيتي الذي سألقي فيه بكل ما لدي من خواطر وعروض كتب وأبيات شعرية وقصص صغيرة جميلة ومؤثرة وحكم .. أرجو أن ينال هذا الركن إعجابك ويشرف بمشاركتك.